Monday, August 19, 2013

اخنقنا يا وطن بنحبك أكثر

نيسان 

كان هذا المساء قاتماً بما يكفي ليدفعني للكتابة إليك، لا بد أنها المرة الأولى التي لا أشعر فيها أن شوقي إليك يطغى على كل شيء حولي، يبدو وأن وجعاً يرافقني مؤخراً كان كفيلاً  باطفاء بعض من الشوق داخلي.

"اخنقنا يا وطن بنحبك أكثر" هي جملة اعتادت أن تكتبها إحدى صديقاتي على صفحتها الشخصية على الفيسبوك، في البداية لم أكن أدري عن ماذا تتحدث، كيف لنا أن نعشق وطناً يلفظنا خارجه؟ كيف لنا أن نحلم بالمكان وهو يضيق بنا؟ لماذا يجب أن نعشق إلى حد الاختناق؟ ألا يمكننا أن نحب الوطن بسعادة كتلك التي ترافق المحبين؟ لم أستطع أن أجد منطقا في جملتها التي تكررت كثيراً أمامي، حتى جائت اللحظة التي اختنقت فيها حباً ووجعاً وحلماً! بعد ذلك فَهِمْت، وبِتُّ أعتقد أن لا أحد يحب الوطن إلا إذا شعر بالاختناق!

 ولتفهم ما أقوله أكثر: الذي لا يرى وجع الوطن فهو لا يرى الوطن. ومن يمشي في شوارع " رام الله\ العاصمة" الضيقة رغم اتساعها دون أن يشعر بسذاجة فكرة أنه يمشي الآن، فهو واقع في حب الدولة، ولا يدري ما هو الوطن أصلا. من ينظر إلى السماء دون أن يشاهد حزن الأرض، فهو حتما لا يرى بقلبه. من يستنشق النسيم البارد ولا تراوده فكرة أن يتشبث به ويرحل معه، فهو حتماً ليس بعاشق ولن يكون يوماً!

يوجعنا حب الوطن، يوجعنا لإنه لم يعد قادراً على احتضاننا، يوجعنا لإننا لم نعد جدرين بامتلاكه، يوجعننا لإننا أمامه نشعر بضعفنا وعجزنا، يوجعنا لإنه يسلب الجنون منا. ويوجعنا الوطن لإنه ضاق بنا، ووضعنا أمام خيار الرحيل الذي لا نحبه! يا إلهي كم هي مخيفة فكرة الرحيل! مرعبة! لمن سنتركه إن رحلنا؟ وأين سنذهب بأرواحنا المعلقة به؟ من سنكون بعيدين عنه؟

في سرّي أفضل أن أحبه حد الإختناق، وفي سرّي أرغب بالرحيل فلم يعد هنالك ما يكفي من الهواء، وفي سرّي أحبه وألعنه وألعن نفسي التي ضاقت بها البلاد، ألعن قلبي الضعيف الذي لم يعد يقدر على احتمال المزيد، وألعن الحلم والأمل اللذان يتجددان داخلي. ولكن.. هو الوطن يدفعنا للرحيل، يطردنا بعيداً عنه، يسكننا حد الامتلاء، يعاقبنا، ويمنحنا لحظات من الجنون، يهدينا انكساراته، يصيبنا بعدوى الأمل، يزرع فينا الحزن، ويخنقناااا، وأحبه حد الاختناق، وأهتف كلما ضاقت بي سبل العيش هنا "اخنقنا يا وطن بنحبك أكثر".

ارجع يا نيسان، لا أريد أن أفقدك للأبد، لا أريد لوجهك أن يصبح صامتاً، لا أريد لقلبي أن يقسو عليك أكثر.


صديقتك المختنقة بحب الوطن


No comments:

Post a Comment