Friday, February 15, 2013

كسر الصمت، دون ضجيج


الغائب نيسان..

 الوقت لا يمر بسرعة أبداً، بل نحن اللذين نهرول مسرعين عن اللحظات التي نعيشها، ونختصر تفاصيل الحياة الجميلة والمؤلمة ونتجاوز الأمور الصغيرة التي تعطي معنى لكل ما يحصل معنا، فيبدو لنا حينها أن الأيام تجري وتمر بنا دون أن تلقي التحية وتتركنا دون أن تودعنا.

كيف يمر الوقت على الأسرى المضربين عن الطعام؟ وما هي التفاصيل التي تخيط أيامهم؟ ماذا هنالك غير الجوع والتعب؟ وهل هنالك فعلاً شعور بالجوع والتعب دون غيرهما؟ هل تتوقف كل اللحظات عند لحظة شعورهم بالتحدي فتمضي الأيام حولهم وهم لا يزالون هنالك محاطون بصمودهم، ونحن لا نزال هنا مكفنين بصمتنا

لم أقل لك يا نيسان أننا قررنا أن نخرج عن صمتنا بشكل مفاجئ، لا أدري ما الذي حصل وماذا كنا ننتظر وما الذي دفع الجموع لأن تنتفض، ولكنها انتفضت وقررت بأن اليوم الجمعة هو "جمعة كسر الصمت". وكلٌ قد كسر صمته بطريقته، فهنالك من خرج اليوم ليبني لنفسه "صومعة" جديدة وعاد إليها، وهنالك من خرج اليوم ليعود بضمير خالٍ من الصراخ الذي لا بد أنه دام مئتي يوم أو أكثر، وهنالك من خرج ليقول لنا أن حلم الأسرى بالحرية سيتحقق وأنه بعصا سحرية لا يمتلكها سيحققه لهم

ولإنهم اليوم موضوع كل شيء قلت لنفسي لماذا لا أخبرك عنهم! أغضبني التخاذل للحد الذي بت أستهجن فيه هبّة الجماهير، فلماذ الآن وماذا كنتم تنتظرون؟ هنالك من لم يعرف الصمت أبداً منذ آخر إضراب عن الطعام خاضه أسرانا في سجون الاحتلال؛ فظل يبعثر الهدوء الذي منحه الآخرون "منا" للعدو الذي أجبر سامر وأيمن ورففاقهما على خوض معركة كاللتي يخوضونها اليوم. وهنالك من يحلو له صمتنا فيعزف على وقعه أغنية لحملته الانتخابية فكما تعلم أن انتخابات (إعادة توزيع ما تبقى من الوطن) قد اقتربت. هنالك من يجمع الناس للصلاة في مكان عام لإلقاء الخطب والكلمات والإستماع إلى وعود من لا يمتلكون تحيق الوعود، وهنالك من قرر أن يصرخ اليوم بصوت أعلى من على منبر الجمعة ولن أقول لعل صوته يفعل شيئا فهو بالتأكد لن يفعل، وهنالك من لم يرضى بأقل من المواجهة، وشبابنا أمام سجن عوفر وفي نقاط التماس الأخرى كفو ووفو وما قصرو

يؤلمني ما نعيشه من تخبط، وعلى الصعيد الشخصي لست أقل تخبطاً فأنا ولنفس السبب الذي تعلمه جيداً عاجزة عن التفكير، عاجزة عن تخطي الكثير من التفاصيل المزعجة، ابعث لي بشيء يسرني أخبرني أنك لن تظل غائباً فالربما أصبح أفضل


صديقتك، من يزعجها الصمت



Sunday, February 10, 2013

يضيق كل شيء، فنحتفل بالموت

نيسان..


كان ردك ملفتاً ولكنه لم يدفعني للكتابة ثانية، إلا أن بعضاً من الملل دعاني لأخاطبك اليوم.
كل شيء أصبح ضيقا، حتى السماء أصبحت ضيقة على نفسها! لم تعد تتسع لأحلامنا ولا لأمنياتنا التي نرسلها بالسر ليلاً، لم تعد تبعث فينا الفرح والأمل، ويبدو أنها لم تعد تملكهما. هل الرغبة في الكتابة هي رغبة في قتل شيء ما داخلنا أم أنها رغبة منا لإبقائه حياً للأبد وملاصقاً لنا أينما حللنا، أأكتب لك لأني أخشى فقدانك، أم أني أعرف جيداً أنني خسرتك فأكتب حتى أبعثر ما تبقى منك داخلي وأنثره من خلال رسائلي حتى لا يبقى منه شيئا؟

دعك من هذا الكلام الآن، وأخبرني: ما هي المشكلة في أن نفهم أنفسنا كمجتمع مستعمَر وأفراد يتعرضون في البداية وقبل كل شيء لقهر المستعمِر؟
قبل يومين فقط سألت نفسي، لماذا لا نحتفل بالأبطال إلا في حال موتهم، ولماذا لا نغضب ولا نحزن إلا لمن يُقتلون، أتعلم أننا بهذا نقتل الأحياء ونمشي في جنائزهم كل يوم، أكان يجب على الأسرى أن يتحولوا إلى مشروع شهداء لنشعر بعظمتهم، وهل يجب على شابٍ شغف بقهر الصمت عبر رمي الحجارة (صابت أو لم تصب فالمهم أن تخترق صفحة السماء أمام الجنود فتعكر صمتها) أيجب عليه أن يستشهد لنذكره ونفخر به شهيدا؟

لا أظن أن الموت يستهوينا إلى هذا الحد، ولكن يبدو أن قلوبنا أصبحت ضيقة كما السماء ولا تتسع إلا لقدرٍ من الحزن أو الغضب أو الفخر، يمر بنا زائراً أو قد لا يفعل، ويترك فينا أثره وقد لا يترك وفي كلتا الحالتين فهو يرحل.
لا تسألني ما الذي أصابني، فصدقني أنا لا أعلم، وإن تأخرت في مراسلتك فاعلم أني أكتب ولا أجرؤ على ارسال كل ما أكتبه


صديقتك بمزاجها المتقلب كما عهدتها دوماً

Saturday, February 2, 2013

الجمعة، صباحاً

صديقي العزيز نيسان

أفضِّلُ أن أجد المبررات لتجاهلك المتواصل على أن أترك الحزن يجتاحني فأتوقف عن الكتابة لك، ولهذا بت أعتقد أنك تكتب لي الردود على رسائلي ولسبب أجهله تماماً لا تصلني رسائلك، وأنها ستصلني ذات يوم دفعة واحدة فأنشغل بقرائتها وأنفرد بها وأتلوها على نفسي بصوت مرتفع، ولربما أنسى حينها أن أكتب لك فأرد لك بعضاً من تجاهلك بغير قصد

لماذا صباحات الجمعة هكذا؟ تحمل من الكآبة ما لا يجب أن تحمله، لا بد أن الجو الممطر ترك أثره على هذا الصباح فبدى حزيناً كما لو أنه فقد عزيزاً. قبل عدة سنوات مضت كنت أنتظر سماع خطبة الجمعة متشوقة لأعرف موضوعها، وأتوقف عند القصص الغريبة التي يرويها خطيب المسجد، كانت تدهشني أحاديثه باستمرار. أكنت ساذجة حينها؟ أم أن خطيب الجمعة كان يتحدث فعلاً بما يستحق مني كل هذا الإهتمام؟ اليوم، لا أسمع خطب الجمعة إلا صدفة ولا أحتمل الإستماع لأكثر من دقيقتين، وفي كثير من الأحيان تجدني أمسك قلما وورقة وأدون ملاحظات حول ما يقول الخطيب وأبدأ بتحليل نبرة صوته وطريقته في الإلقاء، هذا بلا شك مما أورثتني إياه ثلاث سنوات من دراسة علم الإجتماع. قل لي.. عندما يبدأ خطيب السلطة بالصراخ متحدثاً عن فساد حكومة غزة وسرقتها للأموال العامة، وعندما تتحول خطبة الجمعة عند خطيب حكومة غزة لفرصة لردّ الردح بالردح، ويُفرض على باقي الخطباء الذهاب بعيداً في أي قضية لا صلة لها بالواقع، فلماذا يجب ان تبقى خطبة الجمعة قائمة أصلاً وهي على هذا الحال؟

 ياه لقد مرت السنوات مسرعة، تعلم أني سأنهي فصلي الأخير في الجامعة وها أنا أبدأ بمشروع التخرج، ويبدو أن هذا الفصل الدراسي سيمر سريعاً. بعد كل هذه السنوات ألا تشعر بالغياب يجتاحك يا نيسان؟ أتعلم أنني أعشق الكتابة لك بقدر ما أنا مشتاقة لسماع صوتك؟
لا أعلم متى سأراك ولكني كلما مر وقت أكثر أشعر بموعد اللقاء يقترب، ولكنه يبقى كالحلم.

 صديقتك التي لن تمل من انتظار الرد