Tuesday, December 24, 2013

ليبراليو المدينة يخشون نسوياتها

عزيزي نيسان، 

يبدو عنوان رسالتي عنواناً طريفاً لمقالة صحفية أو ورقة أكاديمة، قد يكون الدافع في كتاباتهما حادثة طريفة أو قصة مؤلمة. ولكنها ليست حادثة واحدة أو قصة يا نيسان، إنها حياة يومية نعيشها في عاصمة أوسلو التي أنتجت في خضم ما أنتجته ليبراليين معقدين، وشبه حركة نسوية مشوهة. والطريف هنا هو الأزمة التي نشأت بين ليبرالي المدينة الذكور ومنظراتها النسويات!

تتكاثف الأحداث الاجتماعية والسياسية والثقافية في مدينة رام الله، لتحصر مجموعة من المثقفين والمستثقفين والنشطاء السياسيين وحملة "الفكر الليبرالي" وبعض "اليساريين" داخل جماعة ضيقة ومتداخلة مليئة بالتناقضات. إلا أنها ولسبب ما تعيد التقوقع داخل نفسها، رافضة الاعتراف بأنها تعاني مزيجاً عفناً من المشاكل، صدّرتها إليها المدينة التي تدعي الحداثة، فسمحت لروادها والقاطنين فيها بممارسة بعض طقوسها بحذر، مانحة اياهم حرية مزيفة.

لا أريد الخوض كثيراً في المشاكل التي تعانيها جماعة ليبراليي ومثقفي رام الله ونشطائها السياسيين، وإنما أريد أن أحدثك عن إحدى هذه المشاكل والتي تزداد حدتها يوما بعد يوم، وهي الصراع الخفي بين ليبراليي المدينة ونسوياتها. فقد قرر ليبراليو رام الله اتخاذ موقف معادٍ للنسويات والحركة النسوية وحَمَلة الفكر النسوي. يتجسد هذا الموقف المعادي في النقاشات الحادة التي تدور بشكل مستمر بين هؤلاء وأي "ناشطة نسوية" أو حاملة  للفكر النسوي، وغالباً ما يتحول هذا النقاش إلى تبادل الاتهامات بالتخلف والتعصب أو الرجعية، والتباهي بالأفكار الغربية الدخيلة على المجتمع، إلى الاستعراض ومحاولة لفت الانتباه، وقد يتخذ النقاش شكل الاستهزاء والاستخفاف بالفكر النسوي وحَمَلته، واطلاق النكات السخيفة تتبعها القهقهات العالية معلنة انتصار "الرجولة"!
"نعم نحن ليبراليون.. ولكننا، لا نؤمن بالفكر النسوي ولا بحرية اعتناقه",, "نعم نحن مع حرية المرأة وحقوقها.. ولكن، دون أن تمس رجولتنا",, "نعم نحن مع أن تكون المرأة سيدة نفسها وصاحبة القرار فيما يخص حياتها الشخصية وأن تمارس "ليبراليتها" معنا.. ولكن، لا يمكن أن نسمح لها أن تمارسها وحدها ولأجل نفسها".

أنا لا أبالغ أبدا يا نيسان، كيف يمكنني أن أفسر "فوبيا النسوية" التي يعاني منها ليبراليو المدينة، حيث تُهاجم الفتيات اللواتي يدعين أنهن يحملن الفكر النسوي من  قبل ذكور المجتمع الليبرالي (نشطاء ومثقفي رام الله) بطريقة أصبحت مقرفة في الآونة الأخيرة. لا وبل أكثر من هذا فليس بالضرورة أن تحمل الفتاة فكراً نسوياً ليتم مهاجمتها والاستهزاء بها، فيكفي أن تبدي تذمرها من المجتمع الذكوري العفن الذي تعيش فيه، حتى تنهال عليها الجمل والعبارات التي تستنكر ما نطقت به من كفر. 

اتفق معك أن التنظير النسوي في مجتمعنا لم يخرج من اطار تنظير النخب، عدا عن انفصاله عن الواقع وبعده عن التطبيق. وأن الكثيرين والكثيرات ممن يدعون أنهم يحملون الفكر النسوي، ويعلنون انحيازهم التام للمرأة، وقبولهم بفكرة المساوة بين الرجل والمرأة، يساهمون في أغلب الأحيان بتكريس الممارسات الذكورية في المجتمع. ولكن هذا لا يعطي أي مبرر للذي يحدث من رفض لفكرة امكانية خلق حراك نسوي جاد في المجتمع الفلسطيني، حراك لا يستند أبداً إلى الحركة النسوية الفلسطينية، والتي برأيي غير موجودة  أصلا. وهذا الرفض يستند بشكل أساسي إلى أن النضال النسوي في مجتمع مستعمر هو نضال عبثي، يشتت الأنظار عن القضية الأساسية والتي هي تحرير الوطن. بالاضافة إلى أن الحديث عن حقوق المرأة ونضالها في سبيل تحقيقها بات يرتبط اليوم بمؤسسات الـ NGOs  الراعية الرسمية لكل ما هو نسوي مؤخرا. 

ولكن انتظر قليلاً، إذا كنت من حملة شعار "نحن في مرحلة تحرر وطني"، وبالتالي يجب أن نوحد جهودنا في سبيل مقاومة الاستعمار، كيف تتوقع أن تتحرر البلاد من نير الاستعمار ونساؤها تكبلهن العادات والتقاليد المهترئة، ويقيد نضالهن كومة من الأحكام المسبقة. وحتى لو عدنا سوية لتجربة المرأة النضالية في الانتفاضة الأولى، حيث قدمت المرأة الفلسطينية نموذجاً نضالياً رائعاً دون أن تشكل العادات المحافظة للمجتمع رادعاً لها، سنجد أنه بمجرد انتهاء الانتفاضة عادت المرأة إلى دورها التقليدي كأم وزوجة، ولم تؤهلها المشاركة الواسعة  في العمل النضالي في الانتفاضة لتكون شريكاً سياسياً حقيقياً فيما بعد، وتم اختزال هذا النضال في تشكيل مؤسسات نسوية ليست ذات تأثير سواء على الصعيد السياسي أو على الصعيد المجتمعي. 

ويوحي لنا ليبراليو المدينة أنهم قادمون من كوكب آخر غير هذا الذي نعيش فيه، غير مدركين أن تلك التي تلعن الذكورية والمجتمع الذكوي، لم تلعنه لإنها درست تاريخ المجتمعات الذكورية عبر التاريخ، بل لإنها تعيش كمواطنة من الدرجة الثانية فيه! وأن تلك التي تتنهد بعمق لتطالب بعدها بالمساوة التامة مع الرجل، لم تأتِ بهذا المطلب من الأفكار "الدخيلة" التي تزرعها المؤسسات النسوية ذات التمويل الأجنبي برأسها، بل من كومة المشاكل التي تلاحقها، كونها فتاة من عائلة محافظة فكرت قليلاً وقررت أن تلحق حلمها. ويتناسون أن تلك التي تستفزها بعض الكلمات التي يتفوه بها الذكور تعبيراً عن حماقتهم، تستحضر كل الدلالات الرمزية العفنة لكلمة "مرة" مثلاً عندما تسمعها، لا لإنها تريد أن تثبت تفوقها بادعائها النسوية، بل لإنها مضطرة دائماً لتخليص نفسها من المواصفات  والمعايير التي فرضت عليها من المجتمع  كشرط لقبولها فيه.

في النهاية يا نيسان، كان لابد أن أكتب لك عن هذا الموضوع، فهو يجول في خاطري منذ مدة ويبدو أنني اكتفيت من الحديث عنه في دوائر الفتيات المغلقة. وأود فعلاً أن يجيبني أحدهم، لماذا يخشون من نسويتنا التي لا نمتلكها؟ هل فعلا تروق لهم فكرة الفتاة "الليبرالية الغبية"؟ أم هل هم مدركون أننا في حال امتلكنا فكرا نسويا ريدكالياً أول ما سننقض عليه هو ذكوريتهم المخبأة، والتي لا زالوا يحتفظون بها بالرغم من كل مظاهر الليبرالية  والتحرر التي يعيشونها؟ يبدو أننا نحتاج لحركة نسوية قوية وحقيقة (نسوية عنيفة من نوع خاص) لنخلص بعض ليبراليي المدينة من فوبيا النسوية التي يعانون منها. 


صديقتك "نسوية المدينة"


1 comment:

  1. يا نسوية المدينه
    رائع ما كتبتي
    ولعله تعبير حقيقي لواقع ملموس
    يختفي في نيسان مع انتهاء موسم الامطار
    ولكن
    عندي تعليق بسيط انو مش كل ناشطه نسويه
    هي feminist
    بل هي بعيده كثيير عنها
    في البعص فعلا بعبروا عن الحقيقة
    وفي رجال قلال مؤمنين بالفكره
    وكثار همو بكذبوا وما معجبيتهم الفكره
    لكن انا اوافق معك مية بالميه

    ReplyDelete