صديقي نيسان،
كنت قد اعتدت على أن أبدأ رسائلي لك باللوم والعتاب لأحملك مسؤولية ما أصابني من شوق أورثني إياه رحيلك، حتى بت أعتقد أن هذا قد أصبح تقليداً مملاً وغير مجدي. ولكني تنبهت إلى أمرٍ لم أكن قد لاحظته من قبل، وهو أنك حتى عندما كنت موجوداً معي هنا، تشاركني تفاصيل حياتي المملة والتي تنتقل بين البهجة والتعاسة كفتاة ترقص على مسرح أنواره مطفأة، كنتَ تحظى بنصيب من اللوم والعتاب في كل مرة تغيب فيها عني، حتى وإن كنتُ أعلم جيداً أن هنالك مبرر مقنع لذلك، لم أكن أقدر على اعادة ترتيب انزعاجي من غيباك، لم أكن أعرف كيف ألقاك بلهفة لا تقتلها مزاجيتي.
هو الخوف، خوفي من أن أفقدك، خوفي من أن لا تكون بقربي عندما أحتاجك، خوفي من ضعفي، وخوفي من جنوني! أنت لم تخلق للغربة يا نيسان وأنا لم أعرفك لأفقدك. مرت الأيام ولم تداوي في داخلي الغياب، بقي مكانك فارغاً، وبقيت أكدس التفاصيل، أخبئها لك، هنالك أشياء لا يمكن للرسائل احتمالها، وهنالك أشياء لا يمكن إلا لعيناي أن تخبرك عنها.
قبل عدة أشهر كنت أقرأ كتاباً لباحثة تونسية، تتناول فيه ثنائية المذكر والمؤنث في الثقافة العربية، من خلال بعض مظاهر عملية البناء الثقافي لهذه الثنائية. لن أتحدث كثيراً باللغة الأكاديمية للباحثة، باختصار حاولت الباحثة في كتابها الكشف عن علاقات السلطة والتراتب المتعلقة بالمذكر والمؤنث في المجتمع، وغيرها من القضايا التي قد لا تروق لك، فلطالما احتد النقاش بيننا حول هذه القضايا وكان ينتهي دوماً بنعتك إياي "بالنسوية المتعصبة"، وها أنا اليوم أعيد لك ما كنت أقوله دائماً: التعصب في مجتمع ينكر عليك حقك بأن تكون، ضرورة من أجل البقاء!
"نحن أيضا لنا حيطان مبكى نلوذ بها فراراً من التّاريخ ومن المصير، ومن هذه الحيطان تصوّراتنا عن المرأة والشّرف، ولنا خرق مقدّسة نتمسّك بها بكلّ ما أوتينا من عنف قداسيّ، ومن هذه الخرق حجاب المرأة. حيطان المبكى والأشياء المعبودة أشعلت وما زالت تشعل الكثير من الحروب وتتسبّب في قتل الكثير من النّفوس، وخرقة الحجاب المقدّسة أدّت وما زالت تؤدّي إلى وأد النّساء: إلى وضعهنّ في وعاء القبر أو البيت أو الحجاب".
(فاطمة المرنيسي، بنيان الفحولة: أبحاث في المذكر والمؤنث، ص84)
لعلك تجد وقتاً لقراءة الكتاب، ربما في حينها قد تفهم السبب وراء تمسكي بآرائي التي تجدها أنت متعصبة، لست مضطراً لتبنيها، ولكني سأكون سعيدة إذا حاولت فهم منطق وجودها.
صديقتك ..
التعصب يزيدك جمالاً :)
ReplyDeleteيزيدني قوة، ولربما كون القوة هي سر جمال إحدانا :)
Deleteجميييل جدا يا صديقتي..استمري..اعجبتني فعلا..
ReplyDeleteشكراً شكرا :)
Deleteهو لم يكن لك ليعود اليك
ReplyDeleteهاي هي الفكره
وبقول لفاطمة
تحرري من هذه الخرقه البالية واحرقيها
بالزيت والنار
واهدمي كل القبور
واعلني حربا على كل الاسوار
واهدمي حائط المبكى
لا تبكي منه شيئا