Saturday, March 2, 2013

مرة واحدة هي أبداً

عزيزي نيسان، 

لقد مر وقت طويل منذ أن كتبت لك اخر مرة، أعذرني فأنا لم أهجرك وحدك وإنما هجرت نفسي أيضاً. تشغلني عنك وعني أمور لا أقدر على تفسيرها، وتتعبني محاولة فهمها ومحاولة الوصول إلى منطق وجودها في رأسي المحشو بالأفكار والمسائل المؤجلة.

"مرة واحدة لا تحسب، مرة واحدة هي أبداً أن لا تسطيع العيش إلا حياة واحدة كـأنك لم تعش البتة"، تستمر هذه العبارة في الحضور في كل مرة أكون مجبرة على اتخاذ قرار ولا تسعفني أي من الأفكار أو النصائح في الوصول إلى أفضل ما يمكنني أن أفعله، أتدري ماذا يعني أن يكون كل شيء هو مرة واحدة؟ مرة واحدة تعني أن خوفنا في كثير من الأحيان مبرر، أن قلقنا اتجاه أنفسنا مقبول، وأن تعاستنا لربما كانت لتكون أكثر لحظاتنا سعادة.. 

هل تفهمني يا نسيان؟ فأنا لا أفهم نفسي عندما أكون في مثل هذه الحالة، أن أكون عاجزة عن التفكير، عاجزة عن مواجهة مخاوفي، استمراري في تأجيل النظر ببعض الأمور الملحة؛ يعني أنني أعجز عن فهم نفسي! 

بعيداً عن كل هذا شاهدت البارحة لقاءً تلفزيونياً مع المناضلة ليلي خالد، تمنيت أن يتوقف الزمن وهي تتحدث، لم يخبو وهج ابتسامتي لحظة واحدة طوال المقابلة، وكنت بين الفينة والأخرى اغمض عيني لعل حديثها يحملني إليها بينما كانت تروي قصتها. لا أبالغ إن قلت لك أني كنت أكرر بعض من كلماتها حتى تبقى عالقة في ذهني ولا أنساها. أصابتني نشوة غريبة وأنا استمع لتفاصيل حديثها مع الضابط البريطاني الذي حقق معها أثناء اعتقالها في لندن بعد عملية خطف طائرة "العال" الإسرائيلية؛ انتهى الجزء الثالث من المقابلة وظلت كل المشاهد التي وصَفَتها ترافقني.

أمضيت باقي الليلة وأنا أحاول أن أفسر لنفسي سرّ الشعور الغريب الذي منحتني إياه ليلى خالد، ألكونها امرأة قامت بخطف طائرة للمرة الثانية؟ لا لا أظن ذلك، لا بد أن حديثها نقلني إلى حالة من التحدي والإصرار، وبطريقة ما بث فيّ جرعة من الأمل. لربما تقول لنفسك الآن أني -وبذات المشاعر الطفولية التي لا تزال ترافقني- قد غصت عميقاً في حلم الثورة الفلسطينية والكفاح المسلح، إلا أنني يا صديقي أؤكد لك أن الأمر يتجاوز مشاعر الحنين المشروعة لزمن لم أعشه، إنهم الأبطال يتوقف الزمن عندما يتحدثون لإنهم كانوا قد شكلوا بعض تفاصيله من قبل، وإن كانت الحياة هي مرة واحدة فمن يصنع لحظة منها يكون كأنه شكلها كلها. 

لا داعي لإن أذكرك بأن الشوق لك يزداد، ولكني بت أخاف عليه أن ينتهي بشكل مفاجئ، فيترك مكانه لامبالاة قد تقتل فيّ الرغبة في الكتابة بشكل نهائي.


صديقتك التي لن تكون إلا مرة واحدة

No comments:

Post a Comment