Monday, March 25, 2013

فقط لاني أريد أن أكتب

صديقي نيسان،

تتملكني رغبة في الكتابة إليك، ولكني أعجز عن التعبير، وهنالك الكثير أريد أن أبوح به، ولكنه ما أن يخرج من داخلي حتى يتحول إلى جمل غير مترابطة وغير منطقية. أتغير كثيراً من الداخل، وبسرعة تربكني وتخيفني، أفقد جزئاً مني، كل شيء غدا ناقصا، وكل حدث غير مكتمل ومشوه..

لن أعلق على شيء اليوم، وإنما سأسرد لك بعض الأحداث

احتفلت قيادتنا الأمنية بزيارة الرئيس الأمريكي أوباما كما لم يحتفل صاحب عارٍ من قبل.

جاء عيد الأم ومضى ولم استطع أن أقول لأمي كم أعشقها، وأظن أنها الآن غاضبة (كما تغضب الأمهات بسذاجتهنّ المحببة والتي لا مثيل لها) وأنا أعجز عن خلق مبرر لها!

بدأ فصل الربيع، وهذه فرصة لأقول لك أني لا أحب فصل الربيع ولا أرى فيه شيئاً مميزا، إلا أنه يبشرنا بأيام حر مقيتة قادمة.

مرت ذكرى معركة الكرامة وكأنها لم تحصل، ونحن لم نعد نعرف من المعركة حتى اسمها!

سامر العيساوي لا يزال مضرباً عن الطعام، ويأبى إلا أن يكون حرا، وأقسم لك يا نيسان أنه "حرٌ رغم القيد".

أيمن الشراونة الآن في غزة حيث تم "إبعاده" ولن أقول لك إلا أن مشهد عناقه لوالدته دفعني للابتسام طويلاً.

اقتربت انتخابات مجلس طلبة جامعة بيرزيت، وأعدك أن أراسلك بشأنها، فهي حدث لا بد من التعليق عليه، ليس لأهميته، بل لإني أعلم جيداً أنك تنتظر مني هذا.

لم يبق شيءٌ أخبرك به إلا أن الوحدة شيء متعب يا نسيان، أن تكون مضطراً لمناقشة أمورك مع نفسك، الحديث عن مشاكلك لنفسك، أن تتذكر وتحلم، مع نفسك فقط ولا أحد غيرها. ولا بد أنك لست وحيداً أينما كنت الآن، فأنت لا تطيق قسوة الذاكرة التي دفعتك للرحيل، ولن تسمح لها بأن تغزوك وحيداً.

صديقتك التي لا تطيق الوحدة

Saturday, March 2, 2013

مرة واحدة هي أبداً

عزيزي نيسان، 

لقد مر وقت طويل منذ أن كتبت لك اخر مرة، أعذرني فأنا لم أهجرك وحدك وإنما هجرت نفسي أيضاً. تشغلني عنك وعني أمور لا أقدر على تفسيرها، وتتعبني محاولة فهمها ومحاولة الوصول إلى منطق وجودها في رأسي المحشو بالأفكار والمسائل المؤجلة.

"مرة واحدة لا تحسب، مرة واحدة هي أبداً أن لا تسطيع العيش إلا حياة واحدة كـأنك لم تعش البتة"، تستمر هذه العبارة في الحضور في كل مرة أكون مجبرة على اتخاذ قرار ولا تسعفني أي من الأفكار أو النصائح في الوصول إلى أفضل ما يمكنني أن أفعله، أتدري ماذا يعني أن يكون كل شيء هو مرة واحدة؟ مرة واحدة تعني أن خوفنا في كثير من الأحيان مبرر، أن قلقنا اتجاه أنفسنا مقبول، وأن تعاستنا لربما كانت لتكون أكثر لحظاتنا سعادة.. 

هل تفهمني يا نسيان؟ فأنا لا أفهم نفسي عندما أكون في مثل هذه الحالة، أن أكون عاجزة عن التفكير، عاجزة عن مواجهة مخاوفي، استمراري في تأجيل النظر ببعض الأمور الملحة؛ يعني أنني أعجز عن فهم نفسي! 

بعيداً عن كل هذا شاهدت البارحة لقاءً تلفزيونياً مع المناضلة ليلي خالد، تمنيت أن يتوقف الزمن وهي تتحدث، لم يخبو وهج ابتسامتي لحظة واحدة طوال المقابلة، وكنت بين الفينة والأخرى اغمض عيني لعل حديثها يحملني إليها بينما كانت تروي قصتها. لا أبالغ إن قلت لك أني كنت أكرر بعض من كلماتها حتى تبقى عالقة في ذهني ولا أنساها. أصابتني نشوة غريبة وأنا استمع لتفاصيل حديثها مع الضابط البريطاني الذي حقق معها أثناء اعتقالها في لندن بعد عملية خطف طائرة "العال" الإسرائيلية؛ انتهى الجزء الثالث من المقابلة وظلت كل المشاهد التي وصَفَتها ترافقني.

أمضيت باقي الليلة وأنا أحاول أن أفسر لنفسي سرّ الشعور الغريب الذي منحتني إياه ليلى خالد، ألكونها امرأة قامت بخطف طائرة للمرة الثانية؟ لا لا أظن ذلك، لا بد أن حديثها نقلني إلى حالة من التحدي والإصرار، وبطريقة ما بث فيّ جرعة من الأمل. لربما تقول لنفسك الآن أني -وبذات المشاعر الطفولية التي لا تزال ترافقني- قد غصت عميقاً في حلم الثورة الفلسطينية والكفاح المسلح، إلا أنني يا صديقي أؤكد لك أن الأمر يتجاوز مشاعر الحنين المشروعة لزمن لم أعشه، إنهم الأبطال يتوقف الزمن عندما يتحدثون لإنهم كانوا قد شكلوا بعض تفاصيله من قبل، وإن كانت الحياة هي مرة واحدة فمن يصنع لحظة منها يكون كأنه شكلها كلها. 

لا داعي لإن أذكرك بأن الشوق لك يزداد، ولكني بت أخاف عليه أن ينتهي بشكل مفاجئ، فيترك مكانه لامبالاة قد تقتل فيّ الرغبة في الكتابة بشكل نهائي.


صديقتك التي لن تكون إلا مرة واحدة