نيسان..
أنت اليوم في كل مكان حولي، اسمك يبدو حاضراً في كل شيء، يراك أصدقائي في وهج عيني، وأراك أنا بقلبي في نبضه وسكونه. أهو الشوق يا ترى؟ أم أنك حاضرُ فعلا؟ هل عدت لتحرسني؟ أم أنني أصبحت مجنونة تصيبني ذكراك بالحمى فأهذي باسمك وأراك لتبتسم لي كلما عبست الدنيا في وجهي!
متعبة جداً يا نسيان لكني سعيدة، نعم سعيدة ولربما أقولها للمرة الأولى منذ زمن، سعيدة لأني أعرف نفسي وأستطيع تمييزها، سعيدة لأني أعرف حلمي وأحمله معي فيحملني إليه، سعيدة لأني لم أستسلم لحزني ولم يهزمني غيابك، وسعيدة لأني متعبة! ومتعبة لأني لازلت حية! أن تشعر بالتعب يعني أنك لازلت تقاتل، وأنك لا زلت تحتفظ بشيء ما بداخلك لتخوض به المعارك التي وجدت نفسك مجبراً على خوضها كي لا تخسر نفسك.
بداخلنا عوالم كثيرة، ويخيل لي أنها ستحتلنا في لحظة ضعف، هل تخيلت يوما أن تحتلك الأفكار التي يحملها رأسك الشقي؟ هل فكرت يوماً أن ما تؤمن به سينقلب عليك؟ وأن الأغاني التي تحفظها وأبيات الشعر التي حفرتها في ذهنك ستهوي بك إلى وادٍ سحيق، وأن تلك المقاطع الغير مفهومة من كتب الفلسفة والروايات والتي أجبرت نفسك على الاحتفاظ بها ستحاصر روحك وستطلب منها الرحيل بعيداً! حينها سيغدو قلبك جافاً بلا موسيقى ولا رقص، وعيناك فارغتان بدون اسم او معنى. بداخلنا عوالم كثيرة لا ندري أين بدأت ومن خلقها ولا نعلم أين ستنتهي، وبداخل قلوبنا ممالك من حزن وأخرى من خيال لا ندرك حجمها، وتسكننا أحلام لا ندري كيف آويناها داخلنا.
سنهزم أنفسنا بأنفسنا، ولذلك لا أحد يستطيع كسرنا، ولذلك أيضاً نحن لا نتراجع، ونبقى واقفين رغم أننا ظننا أن وجعنا قد أفقدنا القدرة على النهوض، نحتفظ بالضحكات ونحبها صاخبة، نتمسك بالابتسمات ونحبها عميقة وغاوية، وننشر بريق أعيننا كالنور ونحبه نقياً كصرخة طفلٍ لحظة ولادته، وذلك لإننا نعلم جيداً أنه لن يهزمنا أحد إلا نحن!
البارحة أخبرت صديقي أني أعتقد أننا فقدنا هويتنا وانتمائنا ولكننا لا نشعر بهذا، وأن تجاهلنا للمشاكل والأزمات التي يراها الآخرون جانبية وغير هامة، وتهميشنا لأفكارنا الصغيرة جعلنا غير قادرين على حل المشكلات الكبيرة ولم يعد بامكاننا مواجهة مشكلتنا الأساسية، ولذلك أصبحنا نبرع في اختلاق الخلافات والاختلافات لنشغل بها أنفسنا، صمت صديقي قليلا وسألني: "يعني أزمة هوية؟" ربما، أجبته ، لكن صدقني نحن لم نعد نعرف ما الذي نريده.
نيسان.. عندما كانت روحي تحترق بسببك كانت روحك تحلق بعيدا لا أدري إلى أين، وأغلب الظن أنك أنت نفسك لا تدري، وأصبحت أعقد أن روحك هجرتك وتركتك تواجه الأسئلة وحيدا. وبدونها أنا لا أعرفك، ولا يمكنني أراك من خلال عينيك، روحك كانت بريقهما وروحك كانت أنت، وهكذا كنت أعرفك!
قبل أن أنهي رسالتي يجب أن تعلم أنني عدت أنسج لنفسي قصص تحمل نهايات سعيدة وابتسامات كثيرة، وأن بعض من الكوابيس التي رافقتني لأكثر من عام ونصف رحلت الآن، وأني وعدت نفسي أن أزور البحر لعلي ألقاك هناك، سأذهب إليه وإن لم أجدك سأترك لك أغنية لعلها تعود بروحك إليك.
يوماً ما ستجيء إليّ، وسيكون حضورك كما غيابك
صديقتك التي أسعدها التعب
صديقتك التي أسعدها التعب