Sunday, December 28, 2014

عن "الموتى" الحقيقين الذين كتب عنهم أحبائهم

أيها الغائب..

لم يعد البعد وحده ما يوجع، لم يعد رحيلك وحده القاتل، فوجودي مميت أيضاً. هذا الهواء الذي نتنفسه موجع، الاستقياظ في الصباح موجع، احتساء القهوة على عجل، الأفكار التي تراودني في طريقي إلى عملي، محاولة اختلاق كذبة مقنعة عن سبب تأخري في الصباح، محاولات الابتسام التي يُفشلها النبض الثقيل، ومحاولات الاستمرار أطول فترة ممكنة دون بكاء، كل هذا موجع وقاتل، وكل هذا يفوق الرحيل وجعا.
أن ندّعي طوال الوقت أنَّ كل شيء على ما يرام، وأنَّ أكبر انكسارتنا هي مجرد انتكاسة سننهض منها أقوى مما كنا عليه قبلها، وأننا نمتلك من الأمل ما سيمكننا من مواصلة ما بدأنا به غير مدركين انه انتهى منذ اللحظة الأولى التي شعرنا فيها بالتعب.
بِتُّ أقضي وقتا لا بأس به من الصباح وأنا أتفقد الأثر الذي تركه كل ما يحصل على ملامح وجهي، تلك الخطوط السوداء التي تزداد عمقا، أمرر أصابعي فوقها  ثم أتفقد أصابعي خوفا من إلتصاق بعض من السواد بأطرافها.

تحملّنا الأيام أكثر مما يمكننا احتماله، ياه كم نحن ضئيلون أمام وجع الاخرين! شعرت بعجزي وضعفي عندما رأيت الاخرين يفيقون من حزنهم وألمهم ويصفعون الموت ويمضون في حياتهم. أحسست بأن لا جدوى من الكتابة إليك عندما بت أشعر أن كلماتي تافهة وناقصة أمام كلماتهم. وجعي أصبح أعمق عندما اجتاحني حزن الآخرين، وفقداني بدى غريباً عندما أحسست بفقدانهم لأحبائهم. حينها فقط بدى كل شيء مختلف، كأنك ترحل من جديد، وكأن غيابك كان بالأمس.
بِتُّ أريد دفن الذكريات لا احيائها،  بِتًّ اريد نسيانك لا استحضارك، أنساك ليرحل باقي الموتى الذين لا أعرفهم ، ليرحل الموتى الحقيقون الذين كتب عنهم أحبائهم!

عندما قرأت ما كتبته هالة زوجة الشهيد خالد حمد إلى زوجها بعد استشهاده أحسست أن العالم توقف عند كلماتها، كان حزنها مألوفا ولكنه فاق أي حزن عرفته في حياتي. كم من الوجع حمَلَتْه هالة إلينا في رسالتها إلى زوجها الشهيد، وأي أثر تركه وجعها فينا!
توقفت عن الكتابة بعد أن قرأت رسالة هالو وتخيلت أنني لن استيطع الكتابة إليك مجددا، فعند رسالة هالة اكتمل الحزن، وبكلماتها وصل الوجع الحد الذي يستحيل بعده الشفاء.
خالد وهالة أبكياني كثيرا، أن تعاتب زوجة الشهيد وحبيبته زوجها لرحيله تاركاً إيها وطفلها الذي لم يراه وحدهما، وأن تعاهده أنها لن تفارقه حتى إن كان هو فارقها، أن تكتب له عن طفلهما الذي كانا ينتظران ولادته، وأن تصف شهور حملها الأخيرة بدون رفيق دربها الذي رسمت معه كل تفاصيل حملها وولادتها، وأن تعيش تلك التفاصيل وحيدة فيما بعد، كل هذا كان كفيلاً ليتوقف قلبي عن النبض.
رحل خالد إلى الأبد، ولا شيء سيعيده إلى عائلته من جديد، وأنجبت زوجته طفلة جميلة هي الآن مهجة قلب أمها، وأملها في هذه الحياة التي لم تكن منصفة معها أبدا. وها أنا أكتب إليك مجددا، وسترى إرتباكي وترددي في رسالتي فهو واضح جدا، ولكن في النهاية كان لا بد أن أعود إليك أنت الذي لن تعود إليّ أبدا.

هل أخبرتك من قبل أن البهجة هي أجمل ما فينا لكنّا نخشاها؟! نخشى على أنفسنا من لحظة حزن قد تباغت عيوننا إن ابتسمت مطولاً، ونخاف أن تسرق البهجة الحزن من قلوبنا ونحن بتنا نقدسه، حزننا الذي هو أصدق ما فينا وأنبل ما تحمله قلوبنا، أي تناقض هذا الذي نعيش فيه يا نيسان! 
ها قد أتى الشتاء من جديد، وأنا ما زلت لا أطيقه، الشتاء قاسٍ ومظلم، والبرد موحش، نعم البرد موحش، وليالي الشتاء الطويلة تدفعنا للتكور داخل أنفسنا فنشعر حينها كم نحن وحيدون وضعيفون. لست سودواية جدا، ولا تخف فأنا لم أتحول إلى كائن مقيت عابس، ولكن البوح لك ينتهي بي هنا، إن لم أعرّي حزني أمامك، وإن لم تصغي أنت إلى حماقاتي فمن سيفعل!
أخباري لا جديد فيها، بت أريد الرحيل أكثر من أي شيء آخر، الابتعاد عن كل شيء يبدو حلاً مناسباً، ستقول لي أن الهروب ليس حلا، ولكني لم أعد أمتلك شيئاً هنا، ولا أريد أن أخسر نفسي في جملة ما خسرته من أشياء. ومع كل هذا لا زلت أحتفظ بباتسامتي التي تعرفها جيدا، لن أتخلى عنها فما كان لك يوماً  لن يجبرني أي أحد على التخلي عنه.


إلى أن أراك.. أبعث إليك ابتسامتي وشوق لا ينتهي



Saturday, April 12, 2014

عن ستي صفية

عزيزي نيسان،

كنت قد أخبرتك من قبل أن المكان ضاق بي، وروحي لم تعد قادرة على التحليق في سماء باتت تعجز عن احتضانها، وكتبت لك مراراً عن توقي للرحيل. كنت قد صورت لك حزني ووحدتي ولكنك لم تفعل شيئاً غير أنك كففت عن الظهور، قل لي أني سأصبح روحاً تحلق في السماء وسآتي إليك.

أكره هذا الشعور القاتم،  شعوري بأني وحيدة رغم الاكتظاظ الذي يعبث بحياتي، لا أدري اي تناقض هذا، ولا أدري متى سأنتهي منه. أحتاج لنفسي قوية لأقف بجانب نفسي، احتاجها لتصوبني عندما أخطئ، أحتاجها لأشكو لها ضعفي وبؤسي عندما تصبح خطواتي ثقيلة، أحتاجها لأحلم ولأبقى.


منذ مدة ورأسي ممتلئ بأفكار حول الموت،  ماذا لو مت غدا؟ّ مذا لو كان هذا اخر يوم في حياتي، هل قلت كل ما أريد أن أقوله؟ هل أخبرت الذين أحبهم أني أفعل؟ ماذا عن الأحلام التي سأتركها خلفي؟ لمن سأتركها؟ هل تستحق مني هذه الحياة أن أتمسك بها أكثر؟ ما الذي سيدفعني لطرد فكرة الموت بعيداً والبحث عن اسباب الحياة والتمسك بها؟ هذا العالم مميت وقاتل يا نيسان، كل يوم نخسر شيء من الذي يضيء أرواحنا، ولا شيء يمكنه أن يعوضنا عن خساراتنا الصغيرة هذه.

في مثل هذا اليوم، وقبل ستة عشرعاماً توفيت جدتي. رحلت وتركت خلفها الكثير من الحزن، والكثير من القصص التي لم تحكها لنا. لروحها أبعث سلامي وشوقي، ولكن دعني أخبرك المزيد عنها.

عندما ماتت جدتي أصبحت نجمة في السماء، الجدات لا يرحلنّ عندما يمتن، لا يمكنهنّ أن يغادرنّ بهذه البساطة، هنّ فقط يصبحنّ متعبات متعبات جداً "وجع القلب بقصر العمر يا ستي"، وجدتي كان نصيبها من الحياة كل الوجع . قلبها الكبير لم يعد يحتمل، لحظات الانتظار أصبحت ثقيلة، ودموع الصلوات أصبحت مُرّة. حدثتُكَ عن "ستي صفية" من قبل، جدتي التي أورثتني ضحكتها الرنانة. وأكتب لك اليوم عن جدتي التي رحلت ولم أبكها. لم أبكها لإني كنت صغيرة لا أعرف معنى الموت، أنا لم أودعها ولم أرها ميتة، ولذلك بقيت في ذهني صورتها وهي على سجادة الصلاة، في حضنها مسبحتها الطويلة.

أراها ترفع يداها عالياً للدعاء ويختفي صوتها عندما تبدأ في البكاء، ويختفي بكائها عندما تراني استرق النظر من شق الباب، فتدعوني بيدها وتجلسني في حضنها، تداعبني حتى يعلو صوت ضحكتي تتبعها صوت ضحكتها، وبعد أن تتعب من الضحك تصمت قليلاً وتمسك بيدي وتنظر في عيني وتسألني: "أبوكي رح يطلع من السجن؟" ودون تردد أجيبها: "ااه طبعاً رح يطلع!".

أخبرتني أمي أن جدتي كانت دائماً تسألنا هذا السؤال: "رح يطلع أبوكم من السجن يا ستي؟؟" وكانت تقول: "خذ فالها من اطفالها". اجاباتنا أو نظرات عيوننا الصغيرة كانت تعني لها الكثير، جدتي كانت تؤمن أن الاطفال يقولون الصدق دائما، وأن الله هو من ينطقهم. في المرات القليلة التي كنّا نجيبها: "ستو بابا مطول ليطلع" كانت تصمت حزناً، وتغيب ضحكتها عن المنزل لعدة أيام.

لطالما سألت نفسي: ماذا لو لم تمت جدتي؟ يأخذني السؤال بعيدا بعيدا، لكان بيتها الآن جنة أحفادها، لكانت رائحة خبزها تدفئ الجدران القاتمة، ولكانت مزهرياتها المزركشة في مكانها في زوايا البيت وفوق النملية وعلى حافة النافذة، لكانت صورنا مغروسة في البراويز الكبيرة تبعث فيها الحياة، ولكنت الآن بقربها أداعبها وأمازحها وأخبرها أنها لازالت صبية وأنها جميلة تنافس صبايا العائلة بجمالها، وأني أحب غطاء رأسها الأبيض الطويل وأحب عصبتها المزركشة وأني أحب شامتها وأني ِأشبهها .. "صح يا ستي أنا بشبهك؟ أحكيلهم إني بشبهك خليهم يغارو مني..". ولكن جدتي الآن نجمة في السماء، نجمة بعيدة ومضيئة، وأنا لا أشبه نجمات السماء، ولا أعرف كيف أصبح مثلهن.

قبل عدة أيام التقيت بصديق لي صدف أن جدته كانت مريضة، لا أدري كيف حضرت جدتي إلى بالي حينها، أحسست أني مشتاقة جداً لها، وأحسست أن رحيلها كان صعب. لازمني هذا الشعور طوال اليوم وكأن جدتي ماتت البارحة، فقررت أن أمر بالمقبرة لأزورها في طريق عودتي الي البيت، وهكذا فعلت. وصلت المقبرة وكانت فارغة تماماً إلا من هذا الكم الهائل من الشواهد البيضاء، دخلت من الباب الذي اعتقدت أنه يوصل إلى قبر جدتي، ولكن كل شيء بدا مختلفا، قبر جدتي لم يعد بمكانه! قرأت شواهد أكثر من مائة قبر، وتجولت في المقبرة لمدة نصف ساعة أو أكثر، ولم أعثر على قبر جدتي. ياه كم مر من الوقت حتى نسيت أين هو القبر، غضبت من نفسي وشتمتها وعدت إلى المنزل دون أن أزور جدتي.

في صباح اليوم التالي علمت أن جدة صديقي قد توفت، غمرني حزن عميق، أنا لا أعرفها ولم أسمع عنها إلا القليل، ولكني أحسست بها تغادرني، وكأنها مرت أمامي مصطحبة معها جدتي، لم أكن قد فكرت بموت جدتي من قبل، لم أفكر بقلبها الذي اهترئ حزنا فقرر أن يستريح، ولم أنتبه لحقيقة أنها رحلت ولم أبكي لرحيلها إلا متأخراً. في تلك الليلة أخذني البكاء، بكيت كثيراً وودعت جدتي وأهديتها الكثير من الكلام، حاولت أن أتذكر كل التفاصيل التي جمعتني بها، بعض مما تذكرته كتبته لك، والبعض الآخر احتفظت به لنفسي.

أعلم أن الموت قريب منّا جدا، أعلم أنه يراقب خطواتنا، ويعد أنفاسنا، أعلم أنه يرافقنا إلى النوم، وأنه يستيقظ قبلنا في الصباح. الموت ليس حدثاً منفصلاً، وليس اللحظة الذي يصبح فيها الجسد دمية لا تتحرك، الموت في كل شيء والموت في التفاصيل. ونحن بالرغم من ذلك نعيش ونتشبث بالحياة، ونحلم ونقتات على الأمل، نحزن وتهرم قلوبنا ونظل ننتظر لتعود لصباها من جديد. 


صديقتك التي هَرِمَ قلبها
\

Sunday, February 23, 2014

فتاة بضفيرة

نيسان يا كل الحكاية،

اشتقت إليك، ويكاد الشوق يذهب بأنفاسي بعيداً بعيداً إلى حيث أنت. أين أنت؟ لم أعد أشعر بك قربي، نادرة هي الصباحات التي تكون فيها ابتساماتي لأجلك، أين تكون روحك حين أحتاجها؟ أين تذهب كل الأمنيات التي أبعثها إليك؟ أين أنت يا نيسان؟ ظننت أنك ستكون موجوداً في كل مكان، فأنت في قلبي ما دام في قلبي نبض.

مُتعِبٌ هو حبك وقاتلٌ هو رحيلك. لا أدري إن كنت سأتخلى عن طقوس الحزن يوما، أنا لا استحق الوحدة التي أورثني إياها موتك، ولكنك حتماً تستحق مني كل هذا الحزن. كنت أواسي نفسي بانكار موتك، أنت رحلت ولم أكن قد أدركت معنى الموت بعد، رحلت وتركت لي الغياب، كل الغياب..

أجد صعوبة في الكتابة إليك، بِتُّ أفضل الصمت على محاولة لملمة كل ما يحدث وسرده لك في رسالة قد لا تصلك، ولكنَّ الصمت متعب أيضاً، ولذلك قررت أن أكتب، لا أدري إلى أين سيأخذني الكلام، لربما يأخذني إليك.

مؤخراً بت أشعر أنني أشكل عبئا حتى على نفسي، لم أعد قادرة على التعامل مع الأمور حولي، هنا صخب لا منطق له، تبدأ الاشياء وتنتهي قبل أن أدركها، البارحة فقط كان هنالك وهج في قلبي واليوم انطفئ، ولا أدري من أشعله ومن اطفئه. 

استيقظت صباح اليوم في ساعة مبكرة جدا، الكل نائم، انه يوم عطلتي، لم أنم جيداً فليلتي كانت تعج بالكوابيس والأحلام غير المفهومة، ولكني استيقظت! فتحت النافذة واطرقت السمع، لا يزال الكوكب نائما، ابتسمت، أحسست أنني أملك هذا الهدوء. عندها فقط انتبهت إلى  أن اطلالة نافذتي لم تتغير منذ ما يزيد عن خمسة عشر عاماً.

قبل خمسة عشر عام انتقلنا إلى منزلنا هذا. شقة جديدة، لم تكن جاهزة بعد، كانت بدون ماء، وبدون إنارة، وبدون أبواب داخلية، ولكنا انتقلنا إليها. السبب في ذلك أن أبي الذي أمضى ما يقارب السنتين ونصف في الاعتقال الإدراي لدى الاستعمار الصهيوني خرج من المعتقل ولم نكن قد أنهينا تجهيز البيت بعد. ولإننا لا نمتلك مكاناً آخر نذهب إليه، فالبيت الذي كنا نسكنه أنا وأمي وإخوتي في فترة اعتقال والدي كان في منطقة تابعة "للسلطات الإسرائيلية" ولم يكن باستطاعة والدي الذي يمتلك هوية خضراء وسجلا أمنياً حافلاً لدى "دولة الاستعمار" أن يصل إليه. انتقلنا إلى الشقة الجديدة قبل أن ننتهي من اصلاحها. وأصبحت الشقة الأرضية في الاسكان الكبير الذي لا يزال قيد البناء تعج بضحكات أطفال ظنوا أن البيت الجديد هو عالمهم السعيد.

فيما بعد أكملنا اصلاح البيت وغيرنا تقسيمه أكثر من مرَة، جددنا الطلاء أكثر من مّرة، كما بدلنا الأثاث، ولكني ظللت أراه كما كان عندما نمنا فيه للمرة الأولى، بيت فارغ جدرانه بدون طلاء، غرفه بدون أبواب، والطريق إليه بعيدة.

قبل أن أعود للنوم أدركت أنني أمضيت في هذا البيت ما يكفي، وأن الرحيل عنه قد أصبح ضرورة لا بد منها، أعتقد أن أمي تشاركني هذا الرأي ولكنها بالتأكيد تمتلك منطقا مختلفاً لذلك.  يبدو الأمر وكأن هنالك مدة محددة تصلح للعيش في بيت العائلة التي نولد فيها، هذه المدة تتحدد وفقاً لمسار مسبق يضعه الأهل لمستقبلنا. تخضع كل مرحلة من مراحل حياتنا لمعايير وضعت مسبقاً تقيس مدى نجاحنا ومقدار فشلنا، تسوء الأمور في نهاية كل مرحلة في حال لم نقترب من النموذج الذي رسمه لنا أهلنا في مخيلاتهم، يبدأ الأهل في التذمر من فشل أبنائهم، ويدخلون في حالة من الاكتئاب تفرض عليهم أن يسألوا أنفسهم لماذا فشل أولادنا؟ وهل نحن السبب في ذلك؟ عدة مرات في اليوم.

في حالتي كان من المفترض أن تسير الأمور بشكل مختلف عما هي عليه الآن، تعتقد أمي أنني الآن يجب أن أفكر في شيء واحد هو "الزواج"، بالنسبة لها هذا هو المسار الطبيعي لحياتي وليس هنالك أي احتمال لمسارات أخرى، ولذلك فهي لا توفر جهداً لاتمام مهمتها في مساعدتي في العبور للمرحلة الأهم في حياتي، ولهذا يبدو رحيلي عن البيت بالنسبة لها منطقي جداً.

انهيت دراستي الجامعية بتقدير جيد جداً قبل ثمانية أشهر، حياتي المهنية تسير بشكل مرضي فأنا بشكل أو بآخرأعمل منذ تخرجي في مجال تخصصي، وأنا الآن أعمل بجد من أجل الحصول على منحة لإكمال دراستي، ولكن أي من هذا لايقترب من النموذج الذي تريده لي أمي! 

أعتقد أن بقائي هنا سيجعلني أفقد العلاقات الدافئة التي تربطني بأٌقرب الناس إلي لمجرد أنها دخلت حيز الرتابة، وامتزجت مع اليومي المقيت للحياة. أمي التي تظن أنني بت جاهزة لما تراه هي طبيعي وضروري، لا تعلم أن كل ما أتمناه الآن أن أكون فتاة بضفيرة، ضفيرة طويلة تتأرجح على ظهري كلما خفق قلبي.

لا أريدك أن تظن أنك مصدر تعاستي، حزني عليك لا بد منه، وشوقي لك كان حتى قبل أن ترحل، كل ما في الأمر أن رحيلك جعلني أكثر هشاشة من قبل، وأنني لن استطيع فتح قلبي لأحد غيرك بهذه السهولة، لا يمكنني أن أنظر في عيني أحدهم دون أن أتذكرك، ولكني أجزم أن السبب هو أن لا أحد ينظر إلي كما كنت أنت تفعل، لقد كنت تراني بقلبك يا نيسان. 

حتى يجمعني بك حلمٌ ما.. لك كل الشوق