Thursday, November 28, 2013

العودة لك تعني العودة للوطن

صباح الخير يا نيسان

لم يعد لي أحد في هذه الدنيا، لا أحد يفهم ما أنوي قوله، وإن كان لا بد من البوح فإني أحب البوح لك، عندها لن أكون مضطرة إلى النظر في عينيك ولن أكون مجبرة على الهروب منهما. يبدو أنني لم أنم الليلة وأنا أفكر، إن كنت فيما مضى قد راسلت شخصاً أنكرت رحيله الأبدي، إن كنت راسلت شخصاً أقنعت نفسي عنوة أنه لم يمت وأنه سيعود لي يوما، إن كنت للآن أنتظرك بشوق ولهفة، فلماذا لا اكتب لروحك؟! أنت في كل الحالات غائب سواء سرقك الموت أم سرقتك الحياة، ألم تكن روحك هي التي ترعاني كل هذا الوقت فلماذا أنكر وجودها بقربي!
أعلم جيدا أنني قتلك يوم أعلنت موتك، وأعلم أن هنالك ما تغير بداخلي، أعلم أن بعضاً مني رحل معك ولن يعود أبدا. ليس الشوق إليك هو من يعيدني للكتابة، وإنما شوقي لنفسي. لم أعد أنا منذ رحلت عنك، لقد خذلتك يا نيسان وخذلت نفسي، وأخلفت بوعدي لك يوم تملكني الجبن واستولت علي الأفكار الضعيفة.

ها أنا الآن أعود حتى لا أفقدني كلي، بعض مني يذهب عندما أتوقف عن الكتابة. أفقد تلك التفاصيل التي تجعلني أنا، والتي تمنعني من أن أضل الطريق إلى نفسي، وأفتقد إلى الأشياء الصغيرة التي تتخلق داخلي وأنا أكتب: بعض من الابتسمات التي لا تتكرر، ذكريات لم أكن أعرف أنني يمكنني استحضارها بهذا الشكل لحظة كتابتها، والكثير الكثير من التفاصيل التي ترافق الحالات الشعورية التي أمر بها أثناء الكتابة.

ولكن من أين أبدأ يا نيسان؟ أأبدأ من حيث انتهت رسالتي "الأخيرة" والتي أعلنت فيها موتك أمام نفسي وأمام الملأ؟ أم أبدأ من حيث انتهى الحوار في قلبي، واكتشفت عجزي عن الاستمرار في الكتمان. يحدث الكثير في كل يوم ولا أدري أي الأمور أكثر أهمية، لربما أحتاج المزيد من الوقت لترتيب الأفكار في رأسي فهي منذ توقفت عن الكتابة في حالة فوضى، ورأسي لم يعد قادراً على لملمتها، وقلبي لم يعد قادراً على احتمالها إذ يتعثر بها كلما تسارعت نبضاته، فيعود ليتكورعلى نفسه من جديد منهياً أي احتمال للرقص على ايقاع النبض حتى قبل أن يبدأ.

ما بال الموت أبعدني عنك وأعادني إليك، بت أعتقد أنه الأقرب إلينا في كل الحالات. الموت يسكن قربنا ويعيش داخلنا، يرتوي من أحزاننا ويتغذى على هزائم أرواحنا. لا أنا لم أجن.. أنا فقط أحدثك عما عشته مؤخرا، بعض مني تآكل وسحبه الموت، بعض من أفكاري قد قتلت لإنها لم تكتب، وبعض من لحظاتي الأكثر جنوناً اندثرت لاني لم أسمح لنفسي بالتعبير عنها.
عندما نتوقف عن الكتابة نقتل أرواحنا بدون أن نشعر، نخنق البهجة وننهي الحلم. وبعد كل هذا نسأل أنفسنا من أين تأتي كل هذه التعاسة؟! لا أريد أن أصنع لنفسي موتاً آخر، أنت رحلت وهذا لم يكن خيار أي منا، ولا أريد أن أقتل ما تبقى منك داخلي، اسمك يستحق أن يبقى فهو أكثر من مجرد اسم.
أن أتوقف عن الكتابة لك يعني أن أفقد ايماني بأن الحياة تخبئ لي الكثير، الكثير من كل شيء، قصص أكون أنا بطلتها، ابتسمات يصنعها لي الآخرون، وأخرى أصنعها أنا لهم، مغامرات كتلك التي في الأفلام، أحزان تدفعني للمكوث خارج نفسي. وأن أعود للكتابة يعني أني عدت للطريق التي رسمتها لنفسي، عدت أرى نفسي بوضوح، أعلم أين أنا الآن وأعلم ما هي وجهتي، أعلم أنني لن أضل الطريق، والعودة لك تعني العودة للوطن.

نيسان روحك عندما خرجت كفّنت روحي فأيقنت أنك لن تفارقني أبدا، لوحيك السلام إذ يزورني في كل وقت.