Monday, July 22, 2013

اسمك نيسان

نيسان الذي لا يعرفه أحد غيري 

لم أخبر الكثيرين عنك، لم أجد لذلك ضرورة من قبل، ولكنّي فيما بعد أصبحت مضطرة لمواجهة الكثير من الأسئلة، من أنت؟ ما هو سر اسمك؟ أين ذهبت؟ وكيف رحلت؟ ولماذا لازلت أراسل شخصاً لا أعرف عنه شيئا بعد أن غادر دون أن يترك أثر؟ 
أخبرهم أنك صديقي الذي رحل ولم يترك إلا الغياب، أخبرهم أنه بمقدوري أن أمنح كل هذا الحب لصديق فقط، أخبرهم أنك لم تكن مجنوناً بالقدر الكافي لأحبك!
كنت في البداية أرتبك، تحمر وجنتاي، تختفي عيناي لتبحث عنك  في أسئلتهم، ماذا أقول لهم  وأنا أعلم أنهم يخفون الكثير خلف ضحكاتهم، كيف أخبرهم أن السر في الاسم وحده، الاسم الذي يمتزج فيه  الفرح والحلم والأمل، الاسم الذي يحمل ذلك القدر من التعاسة والخوف والتردد، كيف أخبرهم أن اسمك ربطني بك للأبد، لا يهم ان رحلت أو بقيت بقربي، ولا يهمني ان كنت لي صديقاً أو حبيباً؛ ففي النهاية اسمك نيسان!

في كثير من الأحيان شعورنا بالعجز يجعلنا عاجزين فعلا، وننسى أن بمقدور صوتنا المرتعش أن يهز جدران الخوف المحيطة بنا، هو الصمت فقط ما قد يقتلنا، لن تقتلنا الخيانات، ولن يقتلنا الحزن، لن تميتنا الحوادث الأكثر بؤساً، لن تغيّبنا مشاهد الهزيمة، وحده الصمت كفيل بقتل أرواحنا وسلب وجودنا.

لا أستطيع أن أخبرك بالأفكار التي تدور في رأسي، أنا حتى لا استطيع فهمها! ولا يمكنني أن أصف لك الحالة التي وصلنا إليها في رسالة  واحدة أو حتى في عشر رسائل. كيف لي أن أنقل لك المجهول الذي نعيشه، وحالة اللامبالاة التي أصبحت جزء من اليومي هنُا. قذارة السياسين لن تحتملها أوراقي، بذاءة أفعالهم لن أقدر على صياغتها بكلمات من الحروف التي نعرفها، ولكني مع هذا لا أريد أن أصمت فالصمت عار وهزيمة.
غريبة هي هذه الرسالة، لم أشعر حتى أني اقتربت من السبب الذي دفعني لكتابتها، أظن أن فكرة الكتابة وحدها لم تعد تكفي، وأن البوح لم يعد يحررني من عبئ الكلمات التي لم تقال، ولكني مع هذا سأكتب لك إلى أن تعود.

صديقتك يا نيسان

Saturday, July 13, 2013

# انتفاضة

نيسان،

عندما أصبحت موقنة بأنك لن تعود، أصبح شوقي للكتابة اليك أكبر من شوقي لرؤيتك والحديث معك. ولكني بت أخشى أن أكتب فلا تصلك رسائلي، أن أبوح لك دون أن تعلم أني فعلت، بت أخشى على رسائلي من أن تضل طريقها إليك فتذهب إلى أحد غيرك، بت أخاف أن تحبها أكثر مني، أن تشتاق لها بدلاً من أن تشتاق لي، أن تنتظر وصولها بدلاً من أن تفكر في العودة.

كل هذه المخاوف لا تساوي شيئأ أمام رغبتي في الرحيل، يبدو أن المكان قد ضاق بنا كثيراً، لم يعد يحتمل منا المزيد من البؤس فلفظنا خارج رحمته! في السابق كان أيُّ شيء يمسح عني الحزن ويخرجني من الضياع ويعيدني إلى نفسي. كان يكفيني أن ألمس جذع شجرة أمر عنها كل يوم، لأشعر أنني أنتمي إليها؛ هي التي تنتمي إلى رحم هذه الأرض. وكانت نسمة هواء باردة كفيلة بأن تذكرني أنه لا يمكن أن أختنق ما دمت أستنشق هواء الوطن، هذا الهواء الذي يُخبرنا بقصة كل رائحة نستنشقها إذا أصغينا إليه جيداً.

يحدث أن يصبح الوطن ضيقاً فنعشقه أكثر! ولأننا نخاف عليه منا، من قسوتنا ولا مبالاتنا، ولإننا نخاف على أنفسنا من حُمىً قد تصيبنا إثر عشقنا لمكان لم يعد يتسع لقلوبنا ولهذا القدر من الحب، ومن لوعة قد تحرمنا من أن نكون أنفسنا في المكان الوحيد الذي يمكننا أن نكون فيه "نحن"؛ لهذا تجتاحنا هواجس البقاء ونوبات الرحيل.

عندما رحلتَ لم تلتفت للوراء، ويبدو أنك لا تفكر في العودة أبدا. قل لي كيف هو الرحيل؟ من أنت الآن وكيف تخاطب نفسك؟ ماذا ترى عندما تنظر في المرآة؟ هل ما يزال في عينيك بريق كالذي كان عندما كنت تصمت طويلا لتخرج منك تنهيدة عميقة تنظر بعدها في عيني وتقول:  "الوطن في القلب هون (وتضرب على صدرك بعنف) وما حد بقدر ينتزعه من قلبي، وجع الوطن وجعي".. هل ما زال وجع الوطن وجعك؟ أعرف أن أسئلتي قاسية ولربما غبية، ولكن بقي سؤال واحد لا بد منه، ما الذي حل بقلبك يا نيسان؟ أقلب بدون وطن يمكنه أن ينبض؟!
أجلد نفسي وألومها لإني صمتُّ وتركتك ترحل بدون أن أصرخ في وجهك: "وقف.. والوطن إلي كنت تحكي عنه!!"

قبل قرابة أسبوع وقف شاب يحمل لافتة كتب عليها ( #انتفاضة ) على دوار المنارة في مدينة رام الله، لربما كان يفكر بينه وبين نفسه بجدوى الذي يفعله، وماذا يمكن أن يفعل بدلاً عنه. لاحقاً، بعد أن تحدثت إلى الشاب الذي أثارت فعلته بلبلة في مجتمعنا الذي يبرع في الانتقاد أكثر من أي شيء آخر، قررت أن أحدثك عنه وأصفه لك، وأنقل إليك فكرته ورسالته، لربما تستعيد بعضاً من الذي ضاع منك.

ملثماً بكوفية لا تظهر من وجهه إلا عينان بالرغم من التعب الذي يبدو عليهما، إلا أنهما تشتعلان غضباً وعشقا، ومنتصباً رافعاً رأسه نحو السماء، كان الشاب يستذكر آلاف الشهداء الذين لا يعرفهم، يفكر بمئات الأسرى الذين لا يأتي على ذكرهم أحد (لا بد أن الوطن أصبح ضيقاً عليه أيضاً فأخرج للبحث عن فسحة أمل قبل أن تستولي عليه فكرة الرحيل). لم يدعو بوقفته هذه  إلى اقامة انتفاضة فلسطينية ثالثة، فهو ليس ساذجاً ويعرف جيداً أن الانتفاضة تأتي لوحدها لعنة على الاحتلال؛ ولا تطلب من أحد. كل ما أراده أن تعود روح الانتفاضة إلى الشارع الفلسطيني الذي ينكر حالة الاستعمار الذي يعيشها، أن نخرج في جنازة شهيد لا نعرفه، أن نهتف باسم أسير قبل أن نزفه شهيداً، أن يسكننا الوطن كما نسكنه، أن نخلق أدوات الحرب بأيدنا، أن نطرد اليأس من عقولنا، وندفن الخوف الذي بات يرافقنا، أن نواجه قدرنا بشجاعة بدلأ من أن نهرب منه إليه. 

تحمس كثيرون للفكرة وتداولوها على صفحات التواصل الإجتماعي الخاصة بهم، تبناها آخرون وخرجو بعد يومين ملثمين في مظاهرة على دوار المنارة، توجهو بعدها إلى سجن عوفر العسكري ليترجمو كلمة (#انتفاضة) كما فهموها، (هنالك هم بين قنابل الغاز والحجارة المتطايرة أقرب إلى أنفسهم أكثر من أي مكان آخر)، فيما استسخف آخرون (وهم كثر) الفكرة بل ولعنو صاحبها.

بقي أن أقول لك أن صديقي الملثم أنهى كلامه بابتسامة لا مثيل لها  وقال:  "الإنتفاضة يعني إنك ترجع تتصرف على إنك فلسطيني!"، وأن مشهد الملثم يجوب شوارع مدينة رام الله قد استفز أجهزة ورجالات الأمن الفلسطيني، وأن (#انتفاضة) لم تنتهي بعد فهنالك عدة جولات أخرى، إحداها ستكون أمام محقق المخابرات الفلسطينية يوم الثلاثاء القادم، فصديقنا حصل على تبليغ رسمي يوم أمس!

صديقتك من تؤرقها هواجس البقاء ونوبات الرحيل