نيسان
قلت لك يوم قررتَ الذهاب: إن كنت مسكوناً بالرحيل اذهب ولكن اترك لي اسمك وبعضاً من الأمل بموعد لا نملكه.. رحلتَ وكان رحيلك موجعاً، آلمتني الشوارع المسكونة بالذاكرة بالقدر الذي آلمتني فيه صباحات المدينة الخالية منك روحاً وأغنية لم يغنها لي أحد غيرك، وما زلت لا أعرف سرَّ ولعك بها "حبيبي بدو القمر والقمر بعيد والسما عالية ما بطالا الإيد"، تشتاقك فيروز يا نيسان ويشتاقك الوطن الذي نذرت نفسك له يوماً فخذلتك الحياة مراراً، وتركتك الفكرة التي دافعت عنها حد الاستماتة بعد أن خذلتها أنت بدورك، ودفعت بك بعيداً عني وعن فيروزية الصباح والوطن!
لم أكتب لأعاتبك ولكني ما إن كتبت اسمك حتى انسكب ما في قلبي دون إذن مني، كنت قد وعدتك أن أراسلك بشأن انتخابات مجلس الطلبة في جامعتنا، وسيكون من المضحك أن أعلق لك على الانتخابات بعد هذا السيل من البوح! إلا أنني سأحاول أن أنقل لك ما لم يذكره أحدٌ حين أعلنت النتيجة.. ما لم يقله لك من أخبرك أن الشبيبة حصلت على 23 مقعداً وأن الكتلة الإسلامية حصلت على 20 مقعد وأن القطب الطلابي حصد 7 مقاعد هذا العام.
يبدو الفارق بين حماس وفتح هذا العام ضئيلاً وهذا لا يشير إلى شيء ذو قيمة، إلا أنه يخبرنا أن جمهور حماس بدأ ينشط من جديد، فلا خوف اليوم بعد أن تم الاتفاق بشكل رسمي على اقتسام الوطن وبعد أن تمت مأسسة هذا الاتفاق فيما يسمى "المصالحة"، وهنا دعني أسئلك وان كنت تمتلك جواباً أسعفني به: ماذا تعني جملة "نحن نمد يد المصالحة إليكم" لتكون خاتمة جولة تخوين مقرفة تتخللها الشتائم والعبارات الهزلية السخيفة؟ أفهم جيداً أن الفرقاء اتفقوا على اقتسام الوطن، ولكنني لا أفهم كيف وصل طلبة جامعتنا من كلتا الحركتين لهكذا مستوى من الخطاب لا يحترم وجود طالب واحد على الأقل وقف متحمساً ليشاهد ما تمثله "الديمقراطية" وليستمع للدعاية أو للمناظرة الطلابية، أي مبرر وضعه من أبدعوا في الردح لأنفسهم وهم يصرخون ويملؤون الحرم الجامعي ضجيجاً طيلة أيام الانتخابات..
هذه المهزلة لم تمنع الكثير من الطلاب من التصويت لمن صبوا قذارة الساسة الذين منحوا الوطن للعدو بقصد أو بدون قصد فوق رؤسنا طيلة أيام الانتخابات، 23 مقعد لشبيبة تعني أن هنالك من يعبد الحركة السياسية ويكفر بالوطن، وأن توزيع اللحوم وكروت الجوال يأتي بنتيجة، وأننا نحتاج الكثير والكثير لنصل إلى درجة من الوعي كفيلة بتحريرنا، 20 مقعد للكتلة الإسلامية تعني أن الكثيرين أصواتهم بالفعل كانت أمانة استعادها الصندوق في يوم الانتخابات، وأن صواريخ المقاومة التي تغنت بها الكتلة طيلة العام لا بد وأنها أصابت عقول الكثير من الطلاب (مع احترامي للمقاومة وصواريخها)، وأن لا داعي لإن تترفع في خطابك ما دامت الشبيبة هي خصمك فالله غفور رحيم، وأن الطريق إلى الوطن لا تمر عبر حماس، فحماس رصفت الطريق المؤدي إلى السلطة وتحاول شق إلتفافي ليكون قريباً من الوطن!
و7 مقاعد يا نيسان ليست نصراً، من قال لك أنهم يبحثون عن النصر على رفوف مجلس الطلبة، 7 مقاعد تعني أن ما حصلت عليه الشبيبة والكتلة الإسلامية من مقاعد لن تمنحهم شرف احتكار المجلس والتفرد به، تعني أن طلاب العام الدراسي 2013- 2014 سيضيفون مصطلح "التمثيل النسبي" إلى قاموس حياتهم الجامعية، تعني أن احترام عقول الطلبة ومخاطبتها هو احترام لفكرة العمل النقابي الجاد التي أهملتها الكتل المنشغلة بتزين نشاطاتها والتي ما أن تنتهي حتى يزول مفعولها، 7 مقاعد تعني أن هنالك وعي طلابي يستحق منا المزيد من العمل، وتعني أن طريق التغيير لا زال في بدايته، وأن جامعة بيرزيت وحركتها الطلابية تعيش تحدياً حقيقياً يتمثل في قبولها لفكرة التمثيل النسبي والتخلي عن صدى كلمة كالإكتساح.
مهما حاولتُ أن أقف من السياسة على مسافة آمنة تجنبني وجع الوطن فأنا لا أفلح في ذلك، مرهونة قلوبنا للوطن ما دام فينا بعض الأمل، لا تستغرب كلامي فهو ما لم أستطع أن أقوله لك وأن تستعد للرحيل تاركاً قلباً مريضاً بالخذلان، مثقلاً بجراح الوطن، فراغاً من الأمل، أتدري أني لازلت أحتفظ به لك، قلبك الذي رفض أن يرافقك بعد أن أنكرت عليه حقه في أن يحتفظ ببضع نبضات من الأمل.
صديقتك المسكونة بالوطن